انتشى حزب الله وحلفاؤه بالرد الإيراني على إسرائيل ورأوا فيه دليلاً على أنهم غير متروكين بعد جهر طهران بانخراطها في المواجهة المباشرة للدولة العبرية. أما المعارضون فوجدوا في تداعيات الرد اصطفافاً للغرب وراء إسرائيل، ما يطلق يدها في مواجهة الجمهورية الإسلامية التي لم ترَ بداً، بتوجيهها مُسيّرات وصواريخ، من الإقرار بأنها اختُرقت أمنياً في القلب أكثر من أي وقت مضى. ما قرأه أولئك وهؤلاء عملاً باختلاف التصورات واختلاقها، أن ثمة مَن ربح ومَن خسر. بيد أنهما تقاطعا بعيداً من الحدث نفسه، على ربط انتخاب رئيس الجمهورية بالتطورات الأخيرة، بالمعايير نفسها إيجابية وسلبية، أخْذاً ببضع ملاحظات:أولاها، ظهور واشنطن وطهران قطبَي الجذب في ما يجري في المنطقة، لكن أيضاً في وقت لاحق في الاستحقاق الرئاسي المؤجل، على أنهما وحدهما قادرتان على إخراجه من مأزقه. مع أن الرد العسكري الإيراني رَامَ أن يكون في الملعب الإسرائيلي، وقد نجح جزئياً بسقوط صواريخ في الداخل، إلا أن الأهداف السياسية بما فيها التجرؤ نفسه كأول عمل عسكري إيراني يُصوّب إلى إسرائيل مباشرة، موجّهة أولاً وأخيراً إلى الولايات المتحدة. كما أقر الأميركيون والإيرانيون منذ 7 تشرين الأول 2023 بمنعهم توسّع حرب غزة وانزلاق المنطقة إلى حرب شاملة، تبادلوا الرضى في حصر نتائج رد إيران على أنه رد فعل على فعل. وكفى. في الاستحقاق الرئاسي هما أيضاً قطبا الجذب، تصطف وراء كل منهما لجنة الدول الخمس كما حلفاء هذا الفريق أو ذاك سواء بطرح مرشحين أو وضع فيتوات أو الإمساك بنصاب الانتخاب أو تمادي الشغور.
ثانيتها، بينما رأى المعارضون اللبنانيون في العمل العسكري الإيراني محاولة إنجاد حلفاء طهران المسمّين أذرعها ومنحهم جرعة دعم في حرب غزة والجبهات الموازية، نظر الفريق الآخر إلى التدخّل الإيراني على أنه جزء لا يتجزأ من الصراع مع الدولة العبرية. يُشرّع في الوقت نفسه المضي في الجبهات المفتوحة ولا سيما منها جنوب لبنان. أضحت جبهة الجنوب جزءاً لا يتجزأ من استمرار حرب غزة، وستكون في صلب أي تسوية تُعقد هناك بعدما أخفقت – إلى الآن على الأقل – محاولات أميركية وأوروبية متكررة لفصل اشتعالها عن جبهة غزة وإن جزئياً.
ثالثتها، غدا من الطبيعي لدى الفريقين أن يعبّرا عن يأسهما من توقع انتخاب رئيس للجمهورية في مدى قريب ما لم تُطفأ النار في غزة. بينما تحاول الدول الخمس فصل ما يحدث في الجنوب عن انتخاب الرئيس، ويلمّح سفراؤها في لقاءاتهم المسؤولين والأفرقاء إلى الحاجة الماسة إلى انتخاب رئيس في أسرع وقت كي يتولى تطبيق ترتيبات أمنية في الجنوب عند أوان التسوية، يدير حزب الله ظهره لترتيب الأولويات هذه. يضع توقف حرب غزة في رأسها، ثم إقفال جبهة الجنوب، ومن بعدهما انتخاب الرئيس. لدى اجتماع حزب الله بوفد كتلة الاعتدال الوطني، استغرب النائب محمد رعد بالذات أن يُسأل عن السبيل إلى انتخاب رئيس للجمهورية فيما الحرب مستعرة جنوباً. ما فعله الحزب بإبطائه تحديد موعد لاستقبال وفد الكتلة، سيعاوده في عدم استعجال استقباله ثلاثة من سفراء الدول الخمس كي لا يفصح أمامهم أنه ليس في عجلة في أمر انتخاب الرئيس إلى أن يحين زمانه. ليس موقف حزب الله سوى مكمّل لما قاله رئيس البرلمان نبيه برّي لدى استقباله السفراء الخمسة في المرة الأخيرة. اقترح الوفد الزائر عليه أن يصير إلى عقد اجتماع لوزراء خارجية دولهم في لبنان يبحثون في الخروج من مأزق المرشحيْن الوزيريْن السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور بانسحاب أحدهما للآخر أو التخلي عن الاثنين. لم يكن جواب برّي سوى عن الشق الشكلي بحضور الوزراء الخمسة، وهو أن مجلس النواب جاهز لاستقبال اجتماعهم ليس إلا.