هل خسرت الصهيونية قدرتها على الإقناع؟
يميل الإسرائيليون، بطبيعة الحال، إلى النظر إلى حل الدولة الواحدة باعتباره حكمًا بالإعدام، ويصرون على أن الأغلبية الديموغرافية اليهودية، التي يجب أن يُحافظ عليها إلى الأبد، وبتكلفة باهظة، وهي وحدها القادرة على ضمان بقاء اليهود
أخبرني ستيف نامان (Steve Naman) هذا الخريف: أن تكون معارضًا، فهذا منصبٌ غير مدفوع الأجر. هذا الرجل البالغ من العمر 77 عامًا والمقيم في ضواحي أتلانتا هو الرئيس منذ فترة طويلة (والمحاسب ومدير الموقع والمصحح اللغوي) للمجلس الأميركي لليهودية (American Council for Judaism)[1]، وكان هذا المجلس، لعقودٍ طويلة، الحامل الوحيد والمحاصَر للواء المناهض للصهيونية في حركة الإصلاح[2]. وفي أوجه، ضم المجلس ما يصل إلى 20 ألف عضو، وكان مديره المناضل، الحاخام إلمر بيرغر (Elmer Berger)، شوكة يمكن الاعتماد عليها في خاصر المؤسسة الصهيونية. كان بيرغر مدافعًا شرسًا عن الاندماج اليهودي الأميركي، وهو تحقيق، في نظره، للعالمية التي اعتنقها الأنبياء العبرانيون. وربما الأهم من ذلك أنه كان معارضًا شرسًا للقومية اليهودية، التي اعتبرها دعوة إلى الكارثة.
وأضاف نامان، الإداري المتقاعد من شركة ورق، والمتطوع في منظمة بيغل ريسكيو (Bagel Rescue) غير الربحية التي تديرها ابنته: «من المؤسف أن جميع التوقعات التي قدمها المجلس قد تحققت إلى حد كبير». وقبل عدة أسابيع، شن مسلحون فلسطينيون هجومًا مفاجئًا على المجتمعات الإسرائيلية والمنشآت العسكرية بالقرب من حدود قطاع غزّة، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي[3]، معظمهم من المدنيين. وعلى الرغم من أن المفاوضات مستمرة، إلا أن حماس ما زالت تحتجز حوالي 240 رهينة[4]. وفي الوقت نفسه، تعرض قطاع غزّة لقصف إسرائيلي عنيف، وقُتِل ما يُقدّر بنحو 32,975 فلسطينيًا[5]، غالبيتهم من المدنيين، وتشريد أكثر من 2 مليون فلسطيني. وأشار نامان إلى محنة الفلسطينيين على مدى 75 عامًا الماضية، وقال: «ماذا اعتقد الناس أنه سيحدث؟ هل توقعوا أن يقول الغزيون: نحن نقبل العيش في ظروف فقيرة لبقية حياتنا؟»
إذا كانت اليهودية المناهضة للصهيونية قد بدت منذ فترة طويلة وكأنها تمثل في اسمها تناقضًا لفظيًا، فيمكن إرجاع الأمر إلى عامليْن: المحرقة، التي أقنعت العديد من اليهود بأنهم لا يستطيعون أبدًا أن يعهدوا برفاهيتهم إلى أغلبية غير يهودية، وإلى الجهد الفعال والملحوظ للمؤسسة الصهيونية لنسج مشروع الدولة القومية في نسيج الحياة اليهودية. تغيَّرت الأمور الآن: بعد أيام قليلة من السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كنت أقود دراجتي على طول متنزه بروسبكت بارك (Prospect Park) في بروكلين وشاهدت مظاهرة أمام المبنى السكني للسيناتور تشاك شومر (Chuck Schumer)[6]. قضيت الأسبوع مستغرقًا في الأخبار، وأنا أكافح من أجل استيعاب ضخامة وقسوة هجوم حماس، وكنت مرعوبًا من قسوة الرد العسكري الإسرائيلي. وبينما كان المتظاهرون، الذين كان العديد منهم يحملون لافتات مكتوب عليها «ليس باسمي NOT IN MY NAME»، يسيرون على الطريق المؤدي إلى ساحة الجيش الكبرى (Grand Army Plaza)، لاحظت أن بعضهم كانوا يرتدون الطليس [الطليسان] والقبعات اليهودية الكيباه [والتي تعرف باليارمولكه أيضًا]، ووجدت نفسي متأثرًا بما رأيتُ. أذهلني هذا الاحتجاج الأول الذي نظمته منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام (Jewish Voice for Peace) بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهي مجموعة لم أسمع بها من قبل، كرد فعل مرحب به على ما كنا نشهده، وكان رد فعل يهوديًا عميقًا. رَكنتُ دراجتي وانضممت إليهم.