موجة الحر الشديدة التي حدثت العام الماضي.. مرشحة للتكرار
وأصبح العلماء على ثقة بأن الحدث الذي دام ثلاثة أشهر، والذي شهد درجات حرارة حطمت الأرقام المسجلة سابقا، وحرائق الغابات التي حدثت في أماكن مثل الدائرة القطبية الشمالية واليونان وكاليفورنيا، لم تكن لتحدث دون انبعاثات غازات الدفيئة التي يسببها الإنسان.
حرارة غير عادية
وجدت الدراسة التي نشرت يوم 12 يونيو/حزيران الجاري والتي قام بها فريق بحثي من جامعة إكستر البريطانية، أن موجات الصيف الحارة كما حدثت في عام 2018 يمكن أن تحدث كل عام، إذا بلغت الحرارة العالمية درجتين أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
أما إذا اقتصر الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية -وهو ما تسعى الجهود الدولية لتحقيقه- فقد تحدث موجات الحرارة هذه كل سنتين أو ثلاث سنوات.
تعد الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة “مستقبل الأرض” (Earth’s Future)، أول تقييم للمدى الذي يمكن أن يؤدي إليه تغير المناخ من زيادة في احتمالات حدوث موجة حر على النطاق نفسه الذي شهدناه في عام 2018 عبر نصف الكرة الشمالي بأكمله. وتكشف النتائج أن موجة الحر تلك التي حدثت الصيف الماضي كانت “غير عادية”.
وتشير نتائج الأبحاث الحديثة إلى أن الحرارة الشديدة التي سجلت في اليابان في عام 2018، والتي توفي بسببها أكثر من 1000 شخص، لم تكن لتحدث دون تغير المناخ.
وقد استمرت موجة حر نصف الكرة الشمالي الصيف الماضي لأشهر عدة، وحطمت سجلات درجات الحرارة في وقت واحد في جميع أنحاء أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا.
ومن بين آثارها تدهور المحاصيل في جميع أنحاء أوروبا، واشتعال حرائق الغابات من مانشستر في المملكة المتحدة إلى حديقة يوسمايت الوطنية في الولايات المتحدة، وتعرض أكثر من 34 ألف شخص إلى انقطاع التيار الكهربائي في لوس أنجلوس حيث واجهت الشبكة طلبا غير مسبوق على تكييف الهواء.
ومع استمرار ارتفاع الحرارة حتى نهاية يوليو/تموز من العام الماضي، أصدر العلماء تقييما سريعا خلصوا فيه إلى أن التغير المناخي جعل الظروف الحارة التي شهدناها في أوروبا تصل إلى خمسة أضعاف احتمال حدوثها.
تبع ذلك في وقت لاحق تحليل أولي من مكتب الأرصاد الجوية البريطاني في ديسمبر/كانون الأول الماضي أشار إلى أن الحرارة التي تعيشها المملكة المتحدة زادت بنسبة 30 مرة على الأرجح بسبب تغير المناخ.
تسببت الظروف الجافة والحارقة في اندلاع حرائق غابات تاريخية في جميع أنحاء السويد صيف 2018 (ناسا) |
مزيد من الموجات
للوصول إلى نتائج الدراسة، كان على العلماء أولا الحصول على صورة للمقياس الكلي لموجة الحر خلال الصيف الماضي. وباستخدام بيانات درجة الحرارة وجدوا أن 22% من نصف الكرة الشمالي تعرض لأيام شديدة الحرارة في الوقت نفسه من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان ومناطق الاستخدام الزراعي.
ثم استخدم الباحثون نماذج مناخية لدراسة عدد المرات التي من المتوقع أن تحدث فيها موجات الحر على هذا النطاق في عالم اليوم وفي عالم افتراضي دون تغير المناخ.
وللقيام بذلك، شكّل الباحثون ثلاث مجموعات من المحاكاة، عكست المجموعة الأولى من عمليات المحاكاة ظروف مناخ اليوم، بما في ذلك تأثير التغير المناخي الذي يسببه الإنسان.
وعكست المجموعة الثانية الظروف المناخية في الفترة من 1958 وحتى 1988، في وقت كانت فيه الحرارة قد ارتفعت بالفعل بمقدار 0.28 درجة مئوية.
في حين عكست المجموعة الثالثة من عمليات المحاكاة ظروف فترة ما قبل الصناعة، أي قبل فترة الاحترار العالمي الذي سببه الإنسان.
ثم درس الباحثون عمليات المحاكاة لمعرفة عدد مرات حدوث موجات الحر على النطاق نفسه الذي شوهد العام الماضي 2018 في ظل الظروف المناخية المختلفة.
وأظهرت النتائج ارتفاع احتمالات حدوث موجات حرارة شديدة على النطاق نفسه الذي شهدناه في عام 2018 في ظل الظروف المناخية الحالية. في المقابل، فإن عمليات المحاكاة من 1955 وحتى 1988 لم يكن لمثل هذه الموجات الحرارية الشديدة أي فرصة لحدوثها.
وقد أدى ذلك إلى استنتاج الباحثين أنه من المؤكد فعليًا أن الموجة الحارة في نصف الكرة الشمالي لعام 2018 ما كانت لتحدث دون تغير المناخ.
ووجد الباحثون أنه إذا كانت الحرارة العالمية سترتفع بمقدار 1.5 درجة مئوية، فقد تحدث موجات الحرارة هذه في حوالي سنتين من كل ثلاث سنوات.
أما إذا ارتفعت الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، فإن احتمال حدوث موجات الحرارة هذه كل عام يصل إلى نسبة 97%.