حقبات من الذاكرة عالقة في وجدانه: الرئيس لحود.. عرّاب انتصار الكرامة
مجلة استجواب
حاورته: زينب برجاوي
رجل دولة بامتياز. من قيادة الجيش إلى سدة الرئاسة. كان إميل لحود رئيسا بمخزون وطني وإنساني، قارب الملفات من كل جوانبها انطلاقا من إرثه الشخصي الممعن تاريخا في وطنيته المتجذرة أبا عن جد. الرئيس إميل لحود كان علامة فارقة في مرحلة تبوئه رئاسة الجمهورية. عكس انضباطيته العسكرية على العمل السياسي لناحية وضع النقاط على الحروف. آمن بالوطن كخيار نهائي، وبقي في قصر بعبدا حتى الدقيقة الأخيرة من مدة ولايته الثانية. “استجواب” التقته في محاولة لكشف الوجه الآخر والإضاءة على محطاته الشخصية والاجتماعية.
- كيف تصف فخامتك المرحلة الراهنة:
للأسف، إن من يعمل بضمير يختلفون معه من دون أن يعرف حتى هو السبب. ومن يفكر في الماديات فقط لا يمكن أن يعرف ما معنى أن يستشهد الإنسان من أجل أرضه..
المال هو الإله بالنسبة لهم… جميعهم هكذا. وحين سئلت في إحدى المقابلات المتلفزة: لماذا تشمل الجميع؟ قلت: لأن لا أحد منهم سيجرؤ على قول ذلك لأنهم “بيقبضوا”.. تم شراء الجميع.
ما يجري في منطقتنا أمر صعب. يدفع الإنسان ليشعر بالحزن حين يرى من يستشهد من أجل الأرض من جهة.. ومن جهة ثانية يسمع عن النأي بالنفس والحرص على عدم إزعاج الدول الكبرى ففي حالات كهذه، لا نأي بالنفس إذا كان الهدف هو الإنسان ومن خلفه الحقيقة..
لو أردنا التفكير في هذا المنطق لما وصلنا للتحرير. ما كان أحد سيتجرأ حينها على الاقتراب من الحدود، وبقي البلد مشرعا لكل أنواع التهديد وحيدا كمن يقوم بلعب دور شرطي السير. اليوم، بات لدينا جيش وطني ومقاومة فباتوا “بيعملو حساب كبير” للبنان.
– ما الذي يجب على لبنان فعله اليوم حيال ما يواجهه من تحديات وتهديدات؟
يجب أن يكون هناك قرار رافض من قبل مجلس الوزراء.. مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بحسب القرار الدولي لنا. ولكننا نخاف على مشاعر الآخرين ولا نريد إزعاجهم ..
لولا المعادلة الذهبية التي ارتكزت على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة لما كان هنالك تحرير..
– ماذا عن الحدود البرية؟
ضمن الأراضي التي يشملها البحر، هناك قطعة استرجعناها، ولكن حين ذهبنا في إحدى المرات لمعاينتها تبين أن ما كان ضمن الأراضي المسترجعة وفق علامة محددة تمت إزالتها.. هم يقولون إن الأرض لنا فيما اللبنانيون يساومون على إعطائهم الثلث.. ولكن “يا عمي هاي كلها إلنا ما لازم نعطيهم متر”.
– كم مرة اضطررت لتعديل موقفك من أجل الوفاق؟
لم أُغير موقفي يوما.. واستطعت أن أقوم بكل ما أريد. وهذا ما أقوله اليوم لأصدقائي.
لا تخافوا “حاج بقى ما بدنا نزعّل حدا” سواء أعجبكم أم لم يعجبكم
– اليوم كل القوى مجمعة على محاربة الفساد هل ترى خواتيم مرضية لهذه المعركة أم أنها معركة فاشلة؟
نعم، هي معركة فاشلة. وقد أخبرت بعض الأطراف بذلك. ولكنهم مصرون على هذه المعركة لأنهم لم يمروا بتجربتي..
طلبت في يوم من الأيام قانونا وطنيا، وهو ما طالب به السيد مرارا، دائرة واحدة وقانون النسبية.. حينها سيضطر ابن الجنوب للاستعانة بابن الشمال وابن بعلبك سيضطر للاستعانة بابن بيروت وإلى ما هنالك.. لن يعمل حينها شخص لمذهبه أو يضطر للسرقة والاختباء.
على المرء أن لا يخاف شيئا.. ما أقسى شيء يمكنهم القيام به؟ يستطيعون قتلك فقط.. ولكن كيف سنوقف الفساد هنا السؤال؟
– ما رأيك في مصطلح الرئيس القوي؟
لا وجود لمصطلح الرئيس القوي، ولا يوجد رئيس قوي ورئيس ضعيف.. هنالك فقط الرئيس الذي يعمل بضميره.. أنا لم أملك يوما مالا أو رجالا، كنت أعيش وحيدا وأحضروني من المنزل.. هكذا ارتأى الأسد حينها، رغم أنني تفاجأت كيف تم اختياري وأنا مختلف مع كافة الأقطاب.
– كيف تصف عهد الرئيس عون اليوم؟
أنا أقولها بكل صراحة.. الرئيس القوي هو رئيس الضمير.. إن عمل بضميره فهو رئيس قوي وإن لم يعمل به فليس بالرئيس القوي.
من يظن أن القوة هي بالنزول للشارع وتسكير الطرقات هو واهم. القوي هو من يطلب العالم بأكمله شيئا منه، فيرفض لأن ضميره لم يسمح له.
هذا هو الرئيس القوي وحينها يصبح هنالك دولة في لبنان .. ولكن ما يحصل اليوم هو أنني اليوم مع الحريري وغدا مع سمير جعجع… كيف ستبني دولة حينها؟ للأسف هذا هو الواقع.
– فخامة الرئيس.. ماذا تمثل العائلة لكم؟
أنا لم أصل لما أنا عليه وحيدا.. أنا تربيت على هذه المبادئ في المنزل ومنذ كنت طفلا..
كما ترين اليوم.. من يموت من أجل الأرض لم يمت فجأة، وإنما هي تربيته التي أسست ليفدي الوطن بنفسه.. كان والدي يقول لي: لا شيء أهم من الضمير ولا تسمح لشيء في العالم أن ينال من كرامتك.
ما أقوله وما قلته سابقا هو ما تربيت عليه منذ صغري.
كل ما تميز به والدي لم أعرفه منه بل قرأته لاحقا لأن الوالد لم يكن يتكلم بها.. لقد تربيت في بيت يقول إن الضمير والكرامة هما القمة.
– الوالدة.. كيف أثّرت بك؟
والدتي خلقت الجو الأمثل في المنزل.. كان الكلام في السياسة والعمل ممنوعين داخل المنزل. كانت والدتي أشبه بالأخت. لم نسمع يوما عن عمل والدي في المنزل، حتى المواقف الخطرة التي كان يمر بها لم نكن نعلم عنها شيئا، بل سمعناها لاحقا.
– هل قسا عليك الوالد يوما؟
بالعكس تماما.. كان جميع أبناء آل لحود يرتادون مدرسة الحكمة، وفي أحد الأيام ضحك أحد أصدقائي بصوت عال وقال للأستاذ إنني أنا من ضحك. فجاء الأستاذ وضربني بالخيزرانة.. كنت أبلغ 9 أعوام حينها، ضربته وركضت خارجا من المدرسة وعدت إلى البيت..
سألني والدي حينها عما أصابني، فأخبرته ما حصل فرفض أن أعود للمدرسة .. وبالفعل، جلست لشهرين في المنزل وحين انتهى العام الدراسي وبدأ عام جديد قام بتسجيلي في مدرسة “برمانا هاي سكول” .. كان والدي يقول دوما: إن أخذت مركزا أعلى.. فعليك أن تعمل أكثر لشعبك.
– ما الموقف الأصعب خلال فترتك الرئاسية؟
لم أمر بهذه المواقف .. نعم مررت ببعض الأمور الصعبة ولكنني أؤمن أن الإنسان لا يجب أن يترك ما يزعجه، بل يجب أن يجلس ويحكم ضميره لاتخاذ القرار والمضي به…
فور تسلّمي رئاسة الجمهورية، طلب مني الرئيس الفرنسي شيراك زيارته، فاعتذرت وأخبرته أنني سأزور الدول العربية أولا وأزوره في السنة التي تلي، وكانت الزيارة الأولى حينها للرئيس السوري حافظ الأسد الذي سألني عن مرشحي لرئاسة الوزراء فكان خياري “الحص”..
سألني حينها عن رأيي بالحريري فكان جوابي واضحا، أنني “لا ألبس الكفوف” وأن لدى الحريري مشروعا أميركيا مرتبطا بـ”إسرائيل”، وأنه سيضعنا تحت رحمة البنوك الدولية ليتحكم بالليرة.. ضحك حينها الأسد ونصحني بأن أعدل رأيي باعتبار أنني ما زلت جديدا وأن للحريري معارف دولية كثيرة.
قمنا بالاستشارات النيابية حينها ولم يرضَ الحريري بالعدد الذي ناله، وطلب إعادة الاستشارة. فطلبت منه التريث وحددنا موعدا للكلام مجددا، لأتفاجأ قبل ليلة من موعدنا بخروج الحريري في تصريح متلفز يقول فيه إنني قد خالفت الدستور، وإنني لا أملك حق التفويض رغم أنه قد وافق سابقا.
حينها، بدأت التفكير في أن هذه الخطوة ستثير المشاكل مع سوريا ومع اللبنانيين في الوقت الذي كان الحريري قد اشترى الجميع ما عدا الحزب.. فقررت أن أنهي الأزمة سريعا لأنني بحال وافقت، فهذا يعني كسر رئيس الجمهورية.. وما الداعي لوجودي حينها؟ .. في رأيي أنه كان على الجميع أن يتفهم موقفي، وأنني اتخذت القرار بضميري، وأنه لا يمكن للحريري أن يكون رئيسا لأنه يكذب على اللبنانيين، ويحاول أن يكسر رئيس الجمهورية.
إتصلت حينها بالحريري وطلبت حضوره صباح اليوم التالي، فرحب بي كثيرا ظنّا منه أن أوامر قد وصلتني للموافقة على طلبه، وفي الوقت عينه طلبت إطلاع الرئيس الأسد على قراري، وأنني سأعيد الاستشارات وسأكلف الحص.. وبعد ساعة كان جواب الأسد أن الخيار لي.
في اليوم التالي أخبرت الحريري بقراري، فحاول الاعتذار وتبرير موقفه، فأكدت له أن الآوان قد فات لأنه حاول كسر هيبة رئيس الجمهورية أمام الجميع وليس فيما بيننا فحسب، وسألني إن كنت سأستقبله لو عاد لزيارتي؟ فأجبته أن “البيت بيته”..
كنت منزعجا كثيرا حينها، ولكن المشكلة انتهت بسلامة، ولو لم أفعل ما فعلت لجاء الحريري حينها ولما فهم الجميع أننا حاولنا إيقاف الفساد.
– ماذا يمثل الأحفاد بالنسبة للرئيس لحود؟
لدي تسعة أحفاد من 3 أبناء.. هم أهم ما أملك اليوم في الحياة.