الجميل.. بين غصة الشهادة وصلابة السياسة
خاص مجلة استجواب
حوار: ميساء الحافظ
تصوير : ولاء ياسين
أمين الجميّل رئيس استثنائي في مرحلة استثنائية، تبوأ سدة الرئاسة الاولى بعد اغتيال شقيقه الرئيس بشير الجميّل.
إبن بيت الكتائب، وابن العائلة العريقة الموغلة في التاريخ من رجال فكر وسياسة.
تلتقيه فتشعر بإنسانيته، لياقته وهدوءه وحرصه الظاهر على بيته واحفاده كما لم يخف التأثير القوي الحاضر دائماً في شخصيته لوالدته وهو الذي يقول إنه «إبن أمه».
يتحدث كثيرا في ثالوث الله العائلة الوطن، يراجع الماضي ولا يندم على شيء لان النية كانت طيبة كما يقول، حتى لو كان هناك اخطاء.
يستحضر في حديثه شهداء العائلة بغصة وافتخار وصلابة في آن. مشبع بالروحانيات ويقول بثقة تامة إنه يستطيع النظر إلى أي كان ورأسه مرفوع.
مجلة استجواب التقته في دارته في بكفيا المبنية من الصخر والمتوارثة جيلا بعد جيل. بيت المستقبل كما بات يعرف و كان هذا الحوار.
كيف ينظر فخامة الرئيس الى المشهد الاخير والذي اخذ حيزا كبيرا من المداولات بين السياسيين وشغل البلد على خلفية الملفات المتعثرة؟
«لا أعتقد أن لبنان قد مرّ بظروف صعبة كالتي واجهتها كرئيس للجمهورية اللبنانية إذ كان التحدي هو المحافظة على هيبة الدولة والحد من الفساد بوجود عدة إحتلالات للبلاد، بالإضافة
لمواجهة تحديات كبرى، وكان هدفنا آنذاك الحفاظ على مرجعية الدستور اللبناني والتشبث برسالة لبنان و دوره في العالم» .
وتابع «إن تسألوني ما كنت لأفعل؟ فبالتأكيد سأعود الى المقدسات والمسلمات والتقاليد اللبنانية العريقة والتي لسوء الحظ نفتقدها اليوم ،إنني على يقين أن هذا هو خلاص البلد».
ورأى أن «مخالفة الدستور أصبحت طبيعية للبعض وتمارس بألف حجة وحجة وهذا يؤدي لفكفكة المؤسسات الراعية لضبط الإدارة و المثال على ذلك ان هناك مؤسسات ضامنة وضابطة للأداء الحكومي والإداري مثل التفتيش المركزي وديوان المحاسبة والخدمة المدنية وغيرها من المؤسسات التي أوجدناها في الستينات من القرن الماضي لوضع حاجز بين السياسة والإدارة لحفظها من التدخلات والإغراءات والمصالح السياسية الكبرى».
يقال اليوم إن هناك تركات ورثها البعض من خلال الإدارات المتعاقبة وويقال إن الفساد ليس بجديد وإن الديون ما هي إلا نتيجة تراكمات، فيما لو كان الرئيس أمين الجميّل هو في سدة الرئاسة اليوم كيف كان سيتعاطى مع الملف؟
«أنا لا أتكلم عن هذا العهد بالذات، فنحن نتمنى لهذا العهد المسمى بالعهد القوي والرئيس القوي أن يكون قويا من خلال دعم المؤسسات وضبط الإدارة فالقوة في تنفيذ قانون العقاب والثواب في المؤسسات الإدارية ويكون الرجل الصالح في المكان الصالح ، ويجب أن لا ننسى أيضا أن لبنان في مرتبة مخيفة ضمن لائحة الفساد العالمي.
فخامة الرئيس إلى متى سنبقى مرتهنين للمؤتمرات الدولية كسيدر وغيرها لإنقاذ إقتصاد هذا البلد؟
«لي رأي فيما يطرح حول موضوع سيدر، لبّ المشكلة يكمن في قضية الإدارة وما يسمى بـ «الحوكمة الرشيدة» فهذه الكلمة أصبحت كونية وقدس الأقداس في الأنظمة الديمقراطية التي تسعى الى الشفافية.
«الحوكمة الرشيدة «تستوجب مجموعة من التدابير والخطوات والمبادرات الشجاعة.
نحن نطالب بقروض وليس بهبات وهنا نسأل… أي إدارة تلك التي ستدير أحد عشر ملياراً من الدولارات ومجلس الإنماء والإعمار وصلت رائحة فساده إلى المريخ، ونجهل من يحدد سياسته، حتى مجلس ديوان المحاسبة وهو السلطة العليا بالرقابة لا يملك أي سلطة على مجلس الإنماء والإعمار.
وتساءل الجميّل ماذا يحصل في وزارة الأشغال العامة والكهرباء؟ ومن يجري مناقصاتها؟ فهل يعقل أن تصبح المناقصات غبّ الطلب؟
وأضاف ان الحوكمة حاليا في لبنان هي صفر، فكل وزير ديك على مزبلته وكل مسؤول يعمل وفق مزاجه، من هنا علينا إعادة بلورة مفهوم» الحوكمة الرشيدة».
……
ما الذي أضافه الاحفاد لحياة الشيخ أمين الجميّل كجد بشكل عام و تعاطيك مع ابناء بيار بشكل خاص؟
«أمين والكسندر هما عندي طيلة النهار فالعائلة مهمة لنا والأحفاد هم إستمراريتنا فبيتنا في بكفيا عمره أربع مئة سنة توارثناه من جيل إلى جيل وله رمزية كبيرة إذ بني من الصخر وهكذا عائلتي تصمد بوجه العواصف كالصخر».
لماذا تنحيت عن تبوّء مسؤولياتك في الحزب؟ هل لإفساح المجال للشباب من العائلة؟ أم لم يعد هذا الزمن زمن أمين الجميّل؟
«هناك طريقتان للتعاطي بالسياسة في لبنان، إما التعاطي من خلال مفهوم السلطة بأي مجال سواء في الحزب أو الوطن، وحتى عند الرهبان هناك من يتطلع إلى السلطة وأنا لم اسعَ الى السلطة، إذ كان أخي الشيخ بشير المرشح للرئاسة.
لقد قمت بواجبي بإنقاذ الحزب في أقسى الظروف عندما حصل خلل في رسالته نظرا للضغوط التي مورست ضده وقد تمكنا من توحيد الحزب، وللأمانة فقد لعب ابني الشيخ بيار دورا اساسياً في إعادة جمع الحزب سنة 2000 عندما كنت خارج لبنان، وكان هو يتواصل مع الجميع وعمل على المصالحة التاريخية وإعادة الحزب إلى مساره الصحيح».
كنت مع فكرة وجود دم جديد ، فالجيل الجديد واعد و وجودي معهم كراعٍ معنوي على الأقل».
أعتقد أن الأمور قد نضجت ولدينا فريق جدير بتحمل المسؤولية وأعتقد أن الشيخ سامي يقوم بواجباته على أكمل وجه ولديه الشجاعة والحكمة والدراية على مصلحة لبنان وكما قال قداسة البابا «إن لبنان رسالة كونية وليس مساحة جغرافية فحسب».
واضاف»أيضا من حقي أن أرتاح وأن أعود لبيتي ولعائلتي وقد أنشأت بيت المستقبل سنة 1976 في عزّ ايام الحرب وضحيّت من أجله ونجحنا برفع المؤسسة إلى مستويات دولية فمنشورات بيت المستقبل متوفرة في أهم جامعات العالم والمؤتمرات فيه من جميع الجنسيات لذا أحببت أن أعود إلى الذات وأن أحيي تلك المؤسسة».
من هو مثلك الأعلى؟
«والدتي كانت إنسانة خارقة وعذراً للتعبير، فأنا إبن أمي فقد كانت فنانة تشكيلية وعندها لوحات جميلة جداً ما زلنا نحتفظ ببعضها لغاية الآن، الجدير ذكره هنا أن والدتي كانت أول سيدة تحصل على رخصة قيادة طائرة في مصر فأمي مصرية وأهلها من المنصورة ومن عائلة الجميّل أيضا وكانت تعزف البيانو باحتراف ، من هنا فقد كان تأثيرها مهماً عليّ وقبل أن ننسى، فأمي تكون شقيقة الشيخ موريس الجميّل الذي كان مستشارا كبيرا في الأونيسكو وكان رئيسا لمنظمة التغذية العالمية ورجل إنماء وفكر».
هل تحب الشعر والموسيقى والمسرح؟
لا أدّعي حباً للشعر العربي فلم يكن لدي إهتمامات شعرية إنما أعتبر الشاعر سعيد عقل من أهم شعراء العرب».
صديقي المايسترو ايرفين فولكاريان كان من أهم الموسيقيين الكلاسيكيين في العالم وكان رئيسا لاوبرا برلين وفيينا وهي أهم صروح الموسيقى في العالم.
عربيا أنا متعلق بالفلكلور اللبناني، وللتذكرة فإن والد المطربة صباح كان رئيسا لقسم الكتائب في وادي شحرور وقد ربطتنا بصباح وأهلها علاقة وطيدة كما أن فيروز عاشت طويلا في بكفيا وكان والدي الشيخ بيار الجميل يلعب دور قاضي الصلح بين فيروز وزوجها لاختلافات في المزاج.
وأردف بالقول ايضا كان المطرب وديع الصافي من أقرب الناس لنا وكذلك سعيد عقل ونجيب حنكش والكثير من الشعراء والأدباء كانوا على مائدتنا وعلى تواصل رائع فيما بيننا، الا اني كنت افضل الموسيقى الكلاسيكية واحتفظ بمجموعات كبيرة منها ولست متحمسا للموسيقى الحديثة لانني أجد فيها ما هو مصطنع وسطحي بينما الكلاسيكية أكثر ثقلا.
الشيخ أمين الجميّل بكلمة واحدة، ماذا تعني لك الأم والإبن والزوجة والوطن و العدو؟
الأم هي النبع، والإبن هو المستقبل، والزوجة هي الحب، والوطن أنا فداه والعدو ليسامحه لله.
كلمة أخيرة؟
شعرت في هذه المقابلة مع مجلتكم بكمّ من الاندفاع والمهنية والتوق للنجاح وبقدر مخافتي على قطاع الصحافة إلا أني سعيد جدا أن لديكم هذا الإيمان، ومن واجبنا أن نقف الى جانب طموحكم الواعد من اجل صحافة حرة وموضوعية ونتمنى لكم التوفيق.
هذا مقتطف من مقابلة مطولة مع فخامة الرئيس أمين الجميل.. للاطلاع على المقابلة كاملة يُرجى مراجعة النسخة الوريقية من المجلة
هذه