6 مآس غيرت مسار تكنولوجيا الطيران
يتميز مجال الطيران بتطوير مستمر وتاريخ طويل من الإنجازات التكنولوجية التي تحفز صانعي الطائرات لإنشاء وسائل نقل جوي أفضل وأكثر أمانا.
ورغم أن الإنجازات الكبيرة في هذا المجال، من المحركات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود إلى استخدام المواد المصنوعة من ألياف الكربون، هي ما دفع إلى تطوير الطائرات في غالبية الأحيان، إلا أن الحوادث المميتة أيضا كانت مصدرا هاما للتغييرات الحاصلة في تصاميم الطائرات، بهدف تحسين أدائها ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح، وهنا بعض الأمثلة:
– رحلة “BOAC 781” في 10 يناير 1954:
تحطمت طائرة “De Havilland Comet” التي تديرها شركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار، بعد تعرضها لضغط شديد في منتصف الرحلة، ما أدى إلى سقوط الطائرة في البحر بالقرب من إلبا قبالة السواحل الإيطالية، ومات جميع من كان على متنها وعددهم 35 راكبا.
وكانت هذه الحادثة الثانية ضمن سلسلة من ثلاثة حوادث تحطم طائرات من طراز “Comet” في أقل من عام، ولأسباب متماثلة، حيث وجد المحققون أن تكسير هيكل الطائرة بدأ من سقف المقصورة، بانفصال إحدى النوافذ وضربها لهياكل التحكم في جزء الخلفي للطائرة، ثم تمزق هيكل الطائرة الخلفي.
ويعود حدوث هذا إلى الإجهاد المعدني الناشئ عن الضغط المستمر على هيكل الطائرة وانخفاضه أثناء الاستخدام اليومي، وأيضا تثبيت الدعامات حول النوافذ عوضا عن لصقها، في عملية يعتقد أنها تسببت في حدوث تصدعات.
وكان جسم الطائرة أيضا يعاني من ضغوط أعلى بكثير مما كان متوقعا، خاصة حول الزوايا الحادة لنوافذ طائرات “Comet” المربعة، ونتيجة لذلك، تم تزويد طائرات الركاب المستقبلية بنوافذ ذات زوايا مستديرة.
– رحلة “دلتا إرلاينز 191” في 2 أغسطس 1985:
واجهت طائرة “Lockheed TriStar” التابعة لشركة الطيران الأمريكية “دلتا” عاصفة جوية أثناء هبوطها في مطار دالاس فورت ورث.
وأدت العاصفة إلى اصطدام الطائرة بالأرض بعيدا عن مدرج الهبوط وتفككها، ما أسفر عن مقتل 137 راكبا وجرح 28 آخرين.
ووجد المحققون أن الحادث نتج عن قرار طاقم الطائرة بالتحليق خلال العاصفة الرعدية، في ظل عدم وجود إجراءات أو تدريبات كافية للتعامل مع “ظاهرة الانفجار الجزئي” (وهي انفجارات صغيرة وعنيفة تظهر في العواصف)، وعدم وجود تحذير مسبق بشأن التغيرات الحادة في سرعة الرياح أو اتجاهها، المعروفة برياح القص.
ونتيجة لذلك، طورت وكالة ناسا رادارا للطقس يمكن تزويد الطائرات به، وتم تركيب نظام الكشف والإنذار في العديد من الطائرات بعد أن أصر مشرعو القانون في الولايات المتحدة على ضرورة امتلاك جميع الطائرات التجارية لوسائل تتيح رصد رياح القص.
– رحلة “British Airtours flight 28M” في 22 أغسطس 1985:
اشتعلت النيران في طائرة بوينغ 737 قبل إقلاعها من مطار مانشستر، ما أسفر عن مقتل 55 شخصا، حيث كان من المنتظر انطلاقها نحو كورفو في اليونان.
وقبل الإقلاع، تعطل أحد المحركات ما سبب اندلاع الحريق، وأمر قائد الطاقم بإخلاء الطائرة، حيث نجا 82 راكبا بينما نتجت معظم الوفيات عن استنشاق الدخان.
وأدى الحادث إلى اتخاذ إجراءات على مستوى صناعة تصميم الطائرة، بما في ذلك التغييرات في تخطيط المقاعد بالقرب من المخارج، وتزويدها بأغلفة مقاومة للحريق، فضلا عن إضافة أضواء الطوارئ على الأرض، ووضع ألواح جدران وأسقف مقاومة للحريق، وزيادة طفايات الحريق، بالإضافة إلى وضع قواعد أكثر وضوحا بشأن إجراءات الإخلاء.
– رحلة “Aeroméxico flight 498” في 31 أغسطس 1986:
اصطدمت طائرتان في الجو فوق ضاحية سيريتوس بلوس أنجلوس. ووقع الحادث عندما اصطدمت طائرة خاصة صغيرة من طراز “Piper PA-28-181 Archer” بذيل الرحلة رقم 498 لطائرة “McDonnell Douglas DC-9” أثناء انخفاضها في السماء نحو مطار لوس أنجلوس الدولي. وقتل جميع الركاب على متن الطائرتين والبالغ عددهم 67 شخصا، بالإضافة إلى وفاة 15 على الأرض.
وفي أعقاب ذلك الحادث، طُلب من جميع الطائرات في المجال الجوي الأمريكي حمل أنظمة تجنب التصادم في الهواء.
وأدى اصطدام آخر لطائرتين، الأولى من طراز “بوينغ 747” والثانية من طراز “Ilyushin Il-76” المصممة من قبل الاتحاد السوفيتي، في الجو بالقرب من مدينة نيودلهي عام 1996، إلى تطبيق أنظمة تجنب الاصطدام في جميع أنحاء العالم.
– رحلة “USAir 427” في 8 سبتمبر 1994:
تحطمت طائرة بوينغ 737 أثناء رحلتها من شيكاغو، متجهة إلى مطار بيتسبرغ الدولي.
وقال المحققون إن السبب المحتمل للحادث هو عطب دفة قيادة الطائرة وتحركها بقوة في اتجاه معاكس للاتجاه الذي أمر به الطيار، ما سبب فقدان السيطرة على الطائرة ولم يستطع طاقم الطائرة معالجة الأمر.
وقتل جميع من كانوا على متن الرحلة والبالغ عددهم 132 شخصا.
ووافقت بوينغ لاحقا على تصميم وتحمل تكاليف نظام جديد للتحكم في دفة القيادة في جميع الطائرات العاملة من طراز 737، في كافة أنحاء العالم.
– رحلة الخطوط الجوية الفرنسية 447 في 1 يونيو 2009:
أثار تحطم طائرة الرحلة 447 مخاوف بشأن مستوى الأنظمة الآلية في الطائرات، وتفاقمت هذه المخاوف بعد تحطم الطائرة 737 ماكس بإندونيسيا وإثيوبيا.
كما تعطلت طائرة من طراز “إيرباص A330” عندما كانت في طريقها من ريو دي جانيرو إلى باريس، ولم يتم إصلاحها، ما أدى إلى تحطمها في المحيط الأطلسي وفقدان جميع الركاب البالغ عددهم 228.
وخلص التحقيق الأولي إلى أن الطائرة تحطمت بعد تعطل أجهزة استشعار السرعة الجوية، ما تسبب في انقطاع الاتصال بالطيار الآلي في منتصف الطقس العاصف.
وأدى ذلك إلى تسليم غير متوقع للقيادة إلى الطاقم البشري، والذي كان أحد أفراده غير معتاد على الطيران اليدوي على ارتفاع كبير، وكان رد فعله غير صائب، حيث سحب مقدمة الطائرة إلى الأعلى.
وتسببت الأخطاء التجريبية في النهاية في دخول الطائرة في انهيار، وهي حالة الطائرة عندما لا يمكن السيطرة عليها، حيث ينهار الجناح ما يعني أنه لم يعد قادرا على توليد قوى الرفع الكافية لحمل الطائرة في الهواء.
وسقطت الطائرة بشكل كارثي بسرعة 11 ألف قدم في الدقيقة. وعلى إثر هذا الحادث، حث منظمو الطيران جميع الخطوط الجوية على تشجيع القيام بالمزيد من الطيران اليدوي، لمنع تأثير الطيران الآلي على مهارات القيادة الأساسية.